تبدأ القصة بمشهد كوميدي، يتقدَّم لاعب الزمالك حديث العهد لتنفيذ ركلة ترجيح حاسمة بنهائي الكونفدرالية الإفريقية في 2019، يدعوه البعض «أحمد السيد»، والبعض الآخر «أحمد مصطفى»، ويتفق الطرفان على أنّه «زيزو»، لقب والده. كانت هذه هي درجة الأُلفة بين جماهير الزمالك وبين الجناح الذي وصل «ميت عقبة» قبل هذه اللحظة بأربعة أشهر فقط.
في 2024، تبدَّل الحال، بات «زيزو» المنقذ الذي تنتظر منه الجماهير البيضاء فَض الاشتباك بنهائي نفس البطولة، وهو ما تكفَّل به بالفعل، عن طريق تمريرة حسمت لقب الكونفدرالية الثانية للنادي.
بين المشهدين، نجح اللاعب في انتزاع نجوميته، لكن بطريقته الخاصة، والتي نادرًا ما اختبرتها جماهير الزمالك. فما الذي حدث؟
زيزو: «إنت مين؟»
يُقال أن الانطباع الأول يدوم، وكرة القدم بيئة خصبة للأحكام المُسبقة، وهو ما حدث منذ اللحظة الأولى في هذه القصة.
تعاقد الزمالك مع «زيزو» خلال فترة الانتقالات الشتوية عام 2019. وقتئذٍ، لم يكن اسم اللاعب معروفًا، وبعد البحث عن مميزات صفقة الزمالك الجديدة، اتضح أن خريج أكاديمية «JMG»، والذي أمضى رحلة احترافية امتدت لنحو 5 سنواتٍ لم يُسجِّل سوى 9 أهداف ولم يصنع أكثر من 11 هدفًا في ثلاث تجارب مُختلفة. كانت تلك المفاجأة الأولى.
”لم أفشل في الاحتراف، لعبت معظم المباريات أساسيًا، ولم أسجل الكثير من الأهداف لأنني كنت ألعب في مركز بعيد عن المرمى“.
تصريحات أحمد سيد «زيزو»
بينما كانت المفاجأة الثانية هي اتخاذ إدارة التعاقدات بالزمالك رهان التعاقد مع اللاعب من «مورينسي البرتغالي» مقابل 300 ألف دولار على الرغم من عدم مشاركته في أي مباراة رسمية منذ 8 أشهر كاملة.
في الواقع، كانت تلك نصف الحقيقة، أما النصف الآخر، فقد جاء على لسان «زيزو» نفسه، الذي لم يكن ينوي انهاء احترافه من الأساس، لكن تعرُّض سيارته للسرقة في البرتغال، ومعها أوراق إقامته، حرمه من العودة مجددًا للبرتغال بعد انتهاء إحدى إجازاته بمصر.
وبعد صراع مع ناديه البرتغالي، وأثناء تأديته للتدريبات في نادي المنيا، مسقط رأسه، تلتقطه عين طارق السيد، نجم الزمالك الأسبق، والذي يقوم بترشيحه للانضمام للقلعة البيضاء، خاصةً وأنّه لن يكلِّف خزينة النادي سوى القليل. وهكذا تمت الصفقة، التي لم يكن يتوقَّع أحدًا أن تنجح.
”ظلمت كثيرًا في بداياتي مع الزمالك، قبل انضمامي مباشرة كنت قد أمضيت 8 أشهر بعيدًا عن كرة القدم. بعد هذه الفترة بأسبوعين لعبت أول مبارياتي مع الزمالك، ولم أكن جاهزًا. احتجت نحو 6 أشهر كي أظهر إمكانياتي“.
زيزو.
«جناح متأسس؟»
”لاعب مميز لكن ينقصه التهديف“.
طارق السيِّد، المدير الفني الأسبق لنادي المنيا.
منذ عودته للملاعب المصرية في 2019 وحتى كتابة هذا الموضوع، ساهم أحمد سيد زيزو في 135 هدفًا مع الزمالك في كل البطولات، حيث سجل 74، وصنع 61 هدفًا في كل المسابقات، وهو الرقم الأعلى بين اللاعبين الذين ينشطون في الدوري المصري في نفس الفترة. وهو الرقم الذي يُعزز فرضية احتياج اللاعب للوقت كي يزيح الستار عن إمكانياته الحقيقية.
في حقيقة الأمر، لم يتحوَّل «زيزو» لأحد أهم لاعبي الدوري المصري صُدفةً. بالعكس تمامًا، نحن أمام مشروع صناعة لاعب كرة قدم محترف منذ أن كان ناشئًا.
على سبيل المثال، يمتلك «زيزو» واحدًا من أعلى معدلات المراوغات في الدوري المصري، ويعود ذلك طبقًا للاعب نفسه، لقضائه نحو 7 سنوات يلعب عاري القدمين أثناء تواجده في أكاديمية «JMG».
كذلك، يعد اللاعب أحد أفضل الأجنحة صناعة للفرص عن طريق العرضيات، ويعود ذلك لتحويله فور وصوله إلى البرتغال لجناح حقيقي، بعدما كان يلعب في مناطق متأخرة، وقتئذٍ، خصص اللاعب وقتًا طويلًا خلال التدريبات لإتقان العرضيات من الحركة، بعدما كان مميزًا فقط في المواقف الثابتة.
أخيرًا، وعلى الرغم من جودته الهجومية، تخبرنا الإحصائيات، أنّ لاعب ليرس الأسبق يجيد لعب الدور الدفاعي، حيث يمتلك معدَّلًا جيدًا بين أجنحة الدوري المصري في الفوز بالصراعات الثنائية.
”في أكاديمية «JMG»، حولني المدرِّب من لاعب وسط إلى ليبرو، من أجل التحسُّن في أداء الأدوار الدفاعية، وهو ما حدث، على الرغم من عدم تفضيلي لمثل هذه الأدوار“.
زيزو
تعامل محيط زيزو معه منذ اللحظة الأولى كمشروع للاعب محترف، عليه التعامل مع أوجه القصور التي يعاني منها، فضلًا عن تعزيز المهارات التي يمتلكها بالفعل. ولأن الزمالك، مدرسة الفن والهندسة، حسب مشجعيه، كان على زيزو أن يبذل جهدًا أكبر من المعتاد، لأنّه ليس الأكثر موهبةً حتى وإن كان موهوبًا بالفعل.
”زيزو شخص محترف جدًا، يحافظ على نفسه، يهتم بطعامه وشرابه ومواعيد نومه، عندما يرى شيئًا ينقصه يعمل عليه حتى يكتسبه“.
أمير عزمي مجاهد، مساعد مدرب الزمالك السابق.
بطل على طريقته
لم تكن بدايات «زيزو» صعبة من حيث الإمكانيات، حيث تعلَّم كرة القدم في أحد أفضل أكاديميات كرة القدم، تلقى دراسته في مدرسة خاصة، يتحدَّث عدة لغات، كما خاض تجربة اللعب في أوروبا في سن صغيرة للغاية. هذه الأشياء، وإن لم تكن جذّابة كقصة، تجعلنا أمام نموذج مختلف من نجم كرة القدم، الذي لم تختبره جماهير كرة القدم المصرية بالفترة الأخيرة.
”أبادل جمهور الأهلي نفس الحب معظم أصدقائي والمقربين مني أهلاوية ولا توجد مشكلة، وهناك الكثير من اللاعبين أنا على علاقة قوية بهم مثل محمد الشناوي ومحمد عبد المنعم وعمرو السولية“.
زيزو.
يحافظ «زيزو» على علاقة جيّدة مع جماهير ولاعبي الأهلي، المنافس التقليدي، مع التأكيد على كونه «محسوب» على الزمالك، الذي صنع وجماهيره نجوميته.
طبقًا لمقال نشر عام 2014 بعنوان «النجوم ومشجعو كرة القدم: عوامل الانجذاب للمنافس»، تميل بعض جماهير المنافس إلى تقدير اللاعب الموهوب الذي يتمتّع بسلوكيات نموذجية خارج الملعب.
ربما حان الوقت للإجابة على السؤال الأهم: ما الذي تغيَّر في نظرة جماهير الزمالك لزيزو بين 2019 و2024؟ قد تبدو الإجابات المنطقية في مساحة ما بين الأهداف، المهارات، ثبات المستوى، لكن قد تكون الحقيقة هي أنّ جماهير الزمالك فقط قد اكتشفت بُعدًا جديدًا للاعب النجم، وهو اللاعب «المثير».
زيزو بالطبع ليس أكثر مهارة من شيكابالا، ولا يستطيع إبهار المشجعين كما فعل جمال حمزة، وقد لا يكون أكثر انتماءً للزمالك من حازم إمام، ولا أكثر قتالية من طارق حامد.
لكن حتى تثير الجماهير، يعتقد خورخي ڤالدانو، نجم ريال مدريد السابق، أن الأمر يستلزم خليط من الموهبة والأمانة والكرم: بمعنى أن تمتلك الخواص الفنية والتقنية للنجم، وأن تسعى في كل لحظة بالكرة لمساعدة الفريق، والاستعداد للتضحية من دون الكرة بغض النظر عن مكانتك داخل نفس الفريق.